وتراءت له مع تذكر الجسد خيالات رقيقة ماضية بقوة إلى لحظتها الاستثنائية، ثم رشقته غيبوبة ماكرة فانتفض في الماء. سكن قليلا مغلقا عينيه، فاتحا ذراعيه على أقصاهما في اتجاهين متعاكسين وفجأة راح يبكي. لم يفهم لماذا، أو لم يجد سببا معروفا يدفعه إلى البكاء، لكنه أرخى لمشاعره التدفق لأنه وجد عذوبة في البكاء، وجد صوت بكائه الخفيض يسليه، وتنهداته تكثره، ووجد ثقله من رأسه حتى قدميه يتوزع على جسمه كله، وكأنه اكتشف أنه في هذه الوضعية المسترخية يمارس المشي في شكل مائل، وأن هذه الطريقة في المشي تنصف أعضاءه كلها فلا يحمل عضو عضوا آخر ولا ينضغط عضو تحت أعضاء كثيرة، فالرأس والقدم حران تماما من المسؤولية السابقة على الأرض . وشعر كما لو أن أفكاره أيضا تتهذب وتسلس، وإن كانت تلبن مع الجسد وتتكثف في طاعته، في تلك اللحظة، في تلك اللحظة فقط.
تأليف: عواض العصيمي
عدد الصفحات:298